جسد ممدد على الفراش...تركته الروح ..لامراة ناهزت الستين ...صرخات خارج
الغرفة ...نساء و عويل ....امى ...القسيس يسير داخل الشقة يرتل ...فليدخلك الله فسيح
جناته
شعور الفقد لا يدركه الا من فقد اى شخص بحق ....و لكن هل ادرك منا شعور من احس
العبء الذى سقط على كاهله بعد فقد هذا الشخص ،ليكون الحزن و الاسى على ما ينتظره
من اوجاع و ارهاق العبء....عبء الفقد ....فيكون الحزن على نفسه عندئذ ......ليتحول
لفقد هذا لفقد نفعى لا اكثر ..... ليكون السبب وراء الدعاء لبقاء هذا الشخص ما هو الا
الاستمرار فى هذه المهزلة النفعية لبقرة تجر خلفها ساقية تمد لغيرها سبل الحياة ....كم
اشمت فى هؤلاء بشدة ،بل و اسعد و انا اراهم هكذا يبكون و يصرخون ،فكلما اشتدت
صرخاتهم تاكدت من وقع المصبية على رؤسهم .....فلا اهتم لهؤلاء الخملة الغفلة ممن
يصدقون ان هذا حزنا على الفقيد فهم ايضا لا شى سوى فضليون جبناء ،كمن يرى زميل
للدراسه او للعمل او ربما جار او قريب يبكى فياتى له كحمل وديع ....يضغط على كتفه و
يسمح دموعه ويلح بصوت خافت عليه .....مالك فى ايه ...و بعدما يعرف ما فى صدره
يهدا اكسير الحياه عنده ...وقود الحياه عنده و عند غيره هو حكايات
الناس ....الفضول ...العيش على معرفه ما يحدث لكل منا لتسليته .....مجال للمناقشة فى
سهره فارغة ذات رتم بطىء ....ممل سقيم ....يستمع لحكايات الناس ....بشر بلا روح
بلا حياة حقيقة ...دمى فى مسرحية انتاجها البشر و الفها الخالق ..يعتقدون انهم
يستطيعون ان ينتجوها على مدى الحياه على مدى الاجل البعيد .....جيل يسلمها
لجيل ....يحرصون على انتاجها حتى لا تتوقف هذه المسرحية ...المشاهد الوحيد لتلك
المسرحية هو الخالق و هو الوحيد الذى بيده ان ينهيها ....ان يترك مسرحهم و يذهب
لمسرح اخر ....ينهيها و ينهيهم ....الغريب هذا الانسان الذى يبوح عما فى صدره لهذا
الفضولى الاحمق املا ان يرى الشفقة او المساعدة منه ...فيخرج بنظرة شفقة مصطنعة و
باشهر جمل التاريخ ...معلش معلش ....و يذهب الاحمق لحال سبيله .
الفتاة ابنة السيدة المتوفية تبكى بشده ....تكاد تسقط من شدة الاعياء ....لما كل هذا البكاء !!
الهذه الدرجة قلبك يتمزق من الحزن عليها ....تشفقين على قلبك اليس كذلك ...لن تعود من
اذاقتك طعم الحب و الهناء ....الحب يخنق صاحبه عند اختفاءه ...الحب يقتلنا اذا تنفسناه و
انقطع ....الحب يقتل من يفقده ...تضيق بك الدينا ...الهواء نفذ منه
الاكسجين ...جسدك ...رئتك اوشكت على الانفجار ....الصرخات لا تجدى....لا شىء
يبرح عقلك ...شعور الفقد هو المسيطر ....تبكى على نفسك ....تبكى على الالم الذى يحسه
قلبك ...تبكى لان مصدر الراحة و فرحة القلب قد مضى ....اذا انت تبكى على انعدام
الامان ....انعدام الدفء و الراحة ...انعدام المشاركة فى عالم نفض يداه عن البشر لتسوده
فئه واحدة ...السؤال اذ!!اتبكى فقد الشخص ...ام تبكى نفسك !! هى ايضا نفعية من نوع
اخر....نفعية المشاعر و الاحاسيس ...نفعية الحاجة للتضامن الانسانى ...للاشباع
الحيوانى...لكيانك المتذبذب فى ظل وجود هيمنه على الكون لم تترك و لغيرك سوى ساحات
و طاقات نور و لكنها لا تكفى للجميع لتضغط على نفوس البعض من شعروا بظلم الواقع و
عدم عدليته ...لتعطى ممن مثلنا او اقل منا هذه المساحات و نحن لا ناخذها ...صحيح لا
عيب عليهم بل على الكيان المهيمن ..و حصولنا حتى على تلك المساحات لن يرضينا او
يرضيهم لاننا بذلك سنكون ممن يتشاجروا على الفتات
يخرج النعش من الباب الامامى للعقار الكائن امام منزلنا المتواضع ...كم تمنيت دوما لو
اننى امكث فى هذا العقار القصير المكون من اربعة طوابق ...واسع و جميل ...بكل شقة
هناك ازهار و اشجارجميلة ...الشقق نظيفة ..سكانها من الاقباط ..رؤية عقارهم الجميل
يجعلنى انفر من عقارنا القديم الاسود ...القسيس يسير فى المقدمة و خلفه النعش ..النساء
تصرخن ..الرجال يمسكوا بالنعش فى حزن .........
ولكن هذه المشاهد لم ارى منها شىء فى جنازة امى ....حاله من البرود قد اصابتنا نحن
الثلاث ....اضافة لذلك القرف الذى غطى وجه اخى شرف ...هذا ما قراته فى
عينه ...عبءالدفن ...مصاريف الدفن .....و كاننى امام احدى مشاهد رواية كمان
روتشيلد ...زوجة الحانوتى تحتضر ....يذهب ببرود نحوها يقيس الطول و يسجل ثمن
الخشب الخاص بالتابوت و هكذا هو اعتاد الامرفى عمله كحانوتى ...لقد نسى انها زوجته و
شريكة عمره البائس ....و نحن هكذا تعاملنا مع الوضع .....لم نشعر اتجاه الامر الا بالعبء
من الدفن و مصاريفه.....ولكن كانت اكثر تلك الاعباء فى نفوسنا نحن الثلاث .....عبء
التمثيل ....انبكى و نصرخ....دائما ما نسمع ذلك كدليل على فقد وموت احدهما ..... ربما اذا
لم نفعل ذلك قد يعتقد البعض اننا قتلناها....شعور بالقرف من نفسى و منهم ....لا نبكى على
امنا و لا نخرج دمعة واحدة تشيعها ....ما نتحدث عنه الان هو ان نتشاطر المسئولية فى حل
هذه المشكلة ......يوم الدفن خرجت الجنازة من منزلنا الحقير الاسود ....نرتدى نحن
الثلاث ...معنا الحانوتى و صبيه .....رجال عرفهم ابى فى هذا المنزل ...هم
جيراننا .......تعزية عابرة من ساكنى المنزل ....شفقة معتادة لتلك المواقف .....ربما
اعتقدوا انها كمثل اى امى سيبكى عليها اولادها ....لم نبكى اعتقدوا اننا فى صدمة ....لا
تصدق ...نحن حقا فى صدمة و لكن ليست صدمة الفقد و لكنها صدمة تغير فى التكوين
الاسرى الذى اعتدناه و رجمناه مائة مرة ....هى صدمة التغير المحتم على اى كيان
اسرى ....لا نبكى لا لاننا قد استنفذنا الدموع كلها عليها ...لا لاننا لا نجد الدموع من شدة
الحرقة ....بركان يغلى و لكن لا تخرج الحمم منه مثلا ....الحقيقة لان عقلنا لم يعطى منبه
لاى الم داخلى يضغط على اعيوننا لتسقط الدموع منها امام الخلق ....ربما بكينا جميعا
كثيرا .... و لكن ليس هذا اليوم .....ربما بكينا من اجلها .....بسببها ....و لكن لا من اجل
فراقها....مسرحية الواقع تكشف النقاب عما عشناه من برود اسرى .......ليست صدمة
وفاتها ....بل صدمة سقوط اخر قناع ربما تمسكنا به فى نظرنا لانفسنا .....من نحن ....ماذا
نشعر اتجاه البعض ...انا عايد الاخ الاوسط لاخ اكبر امقته و احقد عليه...ابصق عليه و
الغريب ....اننى اود لو ارتمى فى حضنه و اقبل يده ....اصنع له تمثال ....ابكى
امامه ...يعوضنى عن كل شىء...و لكنه لن يفعل ....اخ لاخت قبيحة هكذا يراها
الجميع ....فقدت كل شىء منذ الولادة ..و اهمهم على الاطلاق ...نظرة حب من
احد ....اعرف و لكننى لم اعطيها اياها انا الاخر
تابعوا الجزء الثالث